فصل: القسم الأول من أمر الجمل.

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)



.القسم الأول من أمر الجمل.

ولما جاء خبر مكة إلى علي قام في الناس وقال: ألا إن طلحة والزبير وعائشة قد تمالاؤا على نقض إمارتي ودعوا الناس إلى الإصلاح وسأصبر ما لم أخف على جماعتكم وأكف إن كفوا وأقتصد نحوهم وندب أهل المدينة فتثاقلوا وبعث كميلا النخعي فجاءه بعبد الله بن عمر فقال: انهض معي فقال: أنا من أهل المدينة افعل ما يفعلون قال: فأعطني كفيلا بأنك لا تخرج قال: ولا هذه فتركه ورجع إلى المدينة وخرج إلى مكة وقد أخبر ابنة علي أم كلثوم بأنه سمع من أهل المدينة تثاقلهم وأنه على طاعة علي ويخرج معتمرا وجاء الخبر من الغداة إلى علي بأنه خرج إلى الشام فبعث في أثره على كل طريق وماج أهل المدينة وركبت أم كلثوم إلى أبيها وهو في السوق يبعث الرجال ويظاهر في طلبه فحدثته فانصرف عن ذلك ووثق به فيما قاله ورجع إلى أهل المدينة فخاطبهم وحرضهم فرجعوا إلى إجابته وأول من أجابه أبو الهيثم بن التيهان البدري وخزيمة بن ثابت وليس بذي الشهادتين ولما رأى زياد بن حنظلة تثاقل الناس عن علي انتدب إليه وقال: من تثاقل عنك فإنا نخف معك ونقاتل دونك.
كان سبب اجتماعهم بمكة أن عائشة كانت خرجت إلى مكة وعثمان محصور كما قدمناه فقضت نسكها وانقلبت تريد المدينة فلقيت في طريقها رجلا من بني ليث أخوالها فأخبرها بقتل عثمان وبيعة علي فقالت: قتل عثمان والله ظلما ولأطلبن بدمه فقال لها الرجل: ولم أنت كنت تقولين ما قلت؟ فقالت: إنهم استتابوه ثم قتلوه وانصرفت إلى مكة وجاءها الناس فقالت: إن الغوغاء من أهل الأمصار وأهل المياه وعبيد أهل المدينة اجتمعوا على هذا الرجل المقتول ظلما ونقموا عليه استعمال من حدثت سنه وقد استعمل أمثالهم من كان قبله ومواضع من الحمى حماها لهم فتابعهم ونزع لهم عنها فلما لم يجدوا حجة ولا عذرا بادروا بالعدوان فسفكوا الدم الحرام واستحلوا البلد الحرام والشهر الحرام وأخذوا المال الحرام: والله لإصبع من عثمان خير من طباق الأرض أمثالهم ولو أن الذي اعتدوا به عليه كان ذنبا لخلص منه كما يخلص الذهب من خبثه أو الثوب من درنه فقال عبد الله بن عامر الحضرمي وكان عامل مكة لعثمان: أنا أول طالب فكانت أول مجيب وتبعه بنو أمية وكانوا هربوا إلى مكة بعد قتل عثمان منهم: سعيد بن العاص والوليد بن عقبة وقدم عبد الله بن عامر من البصرة بمال كثير ويعلى بن منية من اليمن بستمائة بعير وستمائة ألف فأناخ بالأبطح ثم قدم طلحة والزبير من المدينة فقالت لهما عائشة: ما وراءكما؟ قالا: تحملنا هرابا من المدينة من غوغاء وأعراب غلبوا على خيارهم فلم يمنعوا أنفسهم ولا يعرفون حقا ولا ينكرون باطلا فقالت: انهضوا بنا إليهم وقال آخرون: نأتي الشام فقال ابن عامر: إن معاوية كفاكم الشام فأتوا البصرة فلي بها صنائع ولهم في طلحة هوى فنكروا عليه مجيئه من البصرة واستقام رأيهم على رأيه وقالوا: إن الذين معنا لا يطيقون من بالمدينة ويحتجون ببيعة علي وإذا أتينا البصرة أنهضناهم كما أنهضنا أهل مكة وجاهدنا فاتفقوا ودعوا عبد الله بن عمر إلى النهوض فأبى وقال: أنا من أهل المدينة أفعل ما يفعلون وكانت أمهات المؤمنين معها على قصد المدينة فلما نهضت إلى البصرة قعدوا عنها وأجابتها حفصة فمنعها أخوها عبد الله وجهزهم ابن عامر بما معه من المال ويعلى بن منية بما معه من المال والظهر ونادوا في الناس بالحملان فحملوا على ستمائة بعير وساروا في ألف من أهل مكة ومن أهل المدينة وتلاحق بهم الناس فكانوا ثلاثة آلاف وبعثت أم الفضل وأم عبد عبد الله بن عباس بالخبر استأجرت على كتابها من أبلغه عليا ونهضت عائشة ومن معها وجاء مروان بن الحكم إلى طلحة والزبير فقال: على أيكما أسلم بالأمرة وأؤذن بالصلاة فقال ابن الزبير على أبي وقال ابن طلحة على أبي فأرسلت عائشة إلى مروان تقول له أتريد أن تفرق أمرنا ليصل بالناس ابن أختي تعني عبد الله بن الزبير.
وودع أمهات المؤمنين عائشة من ذات عرق باكيات وأشار سعيد بن العاص على مروان بن الحكم وأصحابه بإدراك ثأرهم من عائشة وطلحة والزبير فقالوا نسير لعلنا نقتل قتلة عثمان جميعا ثم جاء إلى طلحة والزبير فقال: لمن تعجلان الأمر إن ظفرتما؟ قالا: لأحدنا الذي تختاره الناس فقال: بل اجعلوه لولد عثمان لأنكم خرجتم تطلبون بدمه فقال: وكيف ندع شيوخ المهاجرين ونجعلها لأبنائهم؟ قال: فلا أراني أسعى إلا لإخراجها من بني عبد مناف فرجع ورجع عبد الله بن خالد بن أسيد ووافقه المغيرة بن شعبة ومن معه من ثقيف فرجعوا ومضى القوم ومعهم أبان والوليد ابنا عثمان وأركب يعلى بن منية عائشة جملا اسمه عسكر اشتراه بمائة دينار وقيل بثمانين وقيل بل كان لرجل من عرينة عرض لهم بالطريق على جمل فاستبدلوا به جمل عائشة على أن حمله بألف فزادوه أربعمائة درهم وسألوه عن دلالة الطريق فدلهم ومر بهم على الماء الحوأب فنبحتهم كلابه وسأله عن الماء فعرفه باسمه فقالت عائشة: ردوني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول وعنده نساؤه: ليت شعري أيتكن تنبحها كلاب الحوأب ثم ضربت عضد بعيرها فأناخته وأقامت بهم يوما وليلة إلى أن قيل النجاء النجاء قد أدرككم علي فارتحلوا نحو البصرة فلما كانوا بفنائها لقيهم عمير بن عبد الله التميمي وأشار بأن يتقدم عبد الله بن عامر إليهم فأرسلته عائشة وكتبت معه إلى رجال من البصرة إلى الأحنف بن قيس وسمرة وأمثالهم وأقامت بالحفين تتنظر الجواب ولما بلغ ذلك أهل البصرة دعا عثمان بن حنيف عمران بن حصين وكان رجلا عامة وأبا الأسود الدؤلي وكان رجلا خاصة وقال: انطلقنا إلى هذه المرأة فاعلما علمها وعلم من معها فجاآها بالحفين وقالا: إن أميرنا بعثنا نسألك عن مسيرك؟ فقالت: إن الغوغاء ونزاع والقبائل فعلوا ما فعلوا فخرجت في المسلمين أعلمهم بذلك وبالذي فيه الناس وراءنا وما ينبغي من إصلاح هذا الأمر ثم قرأت لا خير في كثير من نجواهم الآية ثم عدلا عنها إلى طلحة فقالا: ما أقدمك؟ قال: الطلب بدم عثمان فقالا: ألم تبايع عليا؟ قال: بلى والسيف على رأسي وما أستقبل على البيعة إن هو لم يخل بيننا وبين قتلة عثمان وقال لهما الزبير مثل ذلك ورجعا إلى عثمان بن حنيف فاسترجع وقال: دارت رحى الإسلام ورب الكعبة ثم قال أشيروا علي فقال عمران: اعتزل قال بل أمنعهم حتى يأتي أمير المؤمنين فجاءه هشام بن عامر فأشار عليه بالمسالمة والمسامحة حتى يأتي أمر علي فأبى ونادى في الناس فلبس السلاح ثم دس من يتكلم في الجمع ليرى ما عندهم فقال رجل: إن هؤلاء القوم إن كانوا جاؤا خائفين فبلدهم يأمن فيه الطير وإن جاؤا لدم عثمان فما نحن بقتلته فأطيعوني وردوهم من حيث جاؤا فقال الأسود بن سريع السعدي: إنما جاؤا يستعينون بنا على قتلته منا ومن غيرنا فحصبه الناس فعرف عثمان أن لهم بالبصرة ناصرا وكسره ذلك كله.
وانتهت عائشة ومن معها إلى المربد وخرج إليها عثمان فيمن معه وحضر أهل البصرة فتكلم طلحة من الميمنة: فحمدوا لله وذكر عثمان وفضله ودعا إلى الطلب بدمه وحث عليه وكذلك الزبير فصدقهما أهل الميمنة وقال أصحاب عثمان من الميسرة: بايعتم عليا ثم جئتم تقولون ثم تكلمت عائشة وقالت: كان الناس يتجنون على عثمان ويأتوننا بالمدينة فنجدهم فجرة ونجده برا تقيا وهم يحاولون غير ما يظهرون ثم كثروا واقتحموا عليه داره وقتلوه واستحلوا المحرمات بلا ترة ولا عذر ألا وأن مما ينبغي لكم غيره أخذ قتلة عثمان وإقامة كتاب الله ثم قرأت {ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يدعون إلى كتاب الله ليحكم بينهم} الآية فاختلف أصحاب عثمان عليه ومال بعضهم إلى عائشة ثم افترق الناس وتحاصبوا وانحدرت عائشة إلى المربد وجاءها جارية بن قدامة السعدي فقال: يا أم المؤمنين والله لقتل عثمان أهون من خروجك من بيتك على هذا الجمل الملعون عرضة للسلاح إنه قد كان لك من الله ستر وحرمة فهتكت سترك وأبحت حرمتك وأنه من رأى قتالك يرى قتلك فإن كنت أتيتنا طائعة فارجعي إلى منزلك وإن كنت مكرهة فاستعيني بالله وبالناس على الرجوع.
وأقبل حكيم بن جبلة وهو على الخيل فأنشب القتال وأشرع أصحاب عائشة رماحهم فاقتتلوا على فم السكة وحجز الليل بينهم وباتوا يتأهبون وعاداهم حكيم بن جبلة فاعترضه رجل من عبد القيس فقتله حكيم ثم قتل امرأة أخرى واقتتلوا إلى أن زال النهار وكثر القتل في أصحاب عثمان بن حنيف ولما عضتهم الحرب تنادوا إلى الصلح وتوادعوا على أن يبعثوا إلى المدينة فإن كان طلحة والزبير أكرها سلم لهم عثمان الأمر وإلا رجعا عنه وسار كعب بن سوار القاضي إلى أهل المدينة يسألهم عن ذلك فجاءهم يوم جمعة وسألهم فلم يجبه إلا أسامة بن زيد فإنه قال: بايعا مكرهين فضربه الناس حتى كاد يقتل ثم خلصه صهيب وأبو أيوب ومحمد بن مسلمة إلى منزله ورجع كعب وبلغ الخبر بذلك إلى علي فكتب إلى عثمان بن حنيف يعجزه ويقول والله ما أكرها على فرقة ولقد أكرها على جماعة وفضل فإن كانا يريدان الخلع فلا عذر لهما وإن كانا يريدان غير ذلك نظرنا ونظروا ولما جاء كعب بقول أهل المدينة بعث طلحة والزبير إلى عثمان ليجتمع بها فامتنع واحتج بالكتاب وقال هذا غير ما كنا فيه فجمع طلحة والزبير الناس وجاآ إلى المسجد بعد صلاة العشاء في ليل ظلماء شاتية وتقدم عبد الرحمن بن عتاب في الوحل فوضع السلاح في الجائية من الزط والسابحة وهم أربعون رجلا فقتلوهم وقتلوا عن آخرهم واقتحموا على عثمان فأخرجوه إلى طلحة والزبير وقد نتفوا شعر وجهه كله وبعثا عائشة بالخبر فقالت خلوا سبيله وقيل أمرت بإخراجه وضربه وكان الذي تولى إخراجه وضربه مجاشع بن مسعود وقيل إن الاتفاق إنما وقع بينهم على أن يكتبوا إلى علي فكتبوا إليه وأقام عثمان يصلي فاستقبلوه ووثبوا عليه فظفروا به وأرادوا قتله ثم استبقوه من أجل الأنصار وضربوه وحبسوه.
ثم خطب طلحة والزبير وقالا يا أهل البصرة توبة بحوبة إنما أردنا أن نستعتب عثمان فغلب السفهاء فقتلوه فقالوا لطلحة قد كانت كتبك تأتينا بغير هذا! قال الزبير: أما أنا فلم أكاتبكم وأخذ يرمي عليا بقتل عثمان فقال رجل من عبد القيس: يا معشر المهاجرين أنتم أول من أجاب داعي الإسلام وكان لكم بذلك الفضل ثم استخلفتم مرارا ولم تشاورونا وقتلتم كذلك ثم بايعتم عليا وجئتم تستعدوننا عليه فماذا الذي نقمتم عليه؟ فهموا بقتله ومنعته عشيرته ثم وثبوا من الغد على قتل عثمان ومن معه فقتلوا منهم سبعين وبلغ حكيم بن جبلة ما فعل بعثمان بن حنيف فجاء لنصره في جماعة من عبد القيس فوجد عبد الله بن الزبير فقال له: ما شأنك؟ قال: تخلوا عن عثمان وتقيمون على ما كنتم حتى يقدم علي ولقد استحللتم الدم الحرام تزعمون الطلب بثأر عثمان وهم لم يقتلوه ثم ناجزهم الحرب في ربيع الآخر سنة ست وثلاثين وأقام حكيم أربعة قواد فكان هو بحيال طلحة وذريح بحيال الزبير وابن المحرش بحيال عبد الرحمن بن عتاب وحرقوص بن زهير بحيال عبد الرحمن بن الحرث بن هشام وتزاحفوا واستحر القتل فيهم حتى قتل كثير منهم وقتل حكيم وذريح وأفلت حرقوص في فل من أصحابه إلى قومهم بني سعد وتتبعوهم بالقتل وطالبوا بني سعد بحرقوص وكانوا عثمانية فاعتزلوا وغضبت عبد القيس كلهم والكثير من بكر بن وائل وأمر طلحة والزبير بالعطاء في أهل الطاعة لهما وقصدت عبد القيس وبكر بيت المال فقاتلوهم ومنعوهم وكتبت عائشة إلى أهل الكوفة بالخبر وأمرتهم أن يثبطوا الناس عن علي وأن يقدموا بدم عثمان وكتبت بمثل ذلك إلى اليمامة والمدينة.
ولنرجع إلى خبر علي وقد كان لما بلغه خبر طلحة والزبير وعائشة ومسيرهم إلى البصرة دعا أهل المدينة للنصرة وخطبهم فتثاقلوا أولا وأجابه زياد بن حنظلة وأبو الهيثم وخزيمة بن ثابت وليس بذي الشهادتين وأبو قتادة في أخرين وبعثت أم سلمة معه ابن عمها وخرج يسابق طلحة والزبير إلى البصرة ليردهما واستخلف على المدينة تمام ابن عباس وقيل سهل بن حنيف وعلى مكة قثم بن عباس وسار في ربيع الآخر سنة ست وثلاثين وسار معه من نشط من الكوفيين والمصريين متخففين في تسعمائة ولقيه عبد الله بن سلام فأخذ بعنانه وقال يا أمير المؤمنين: لا تخرج منها فوالله إن خرجت منها لا يعود إليها سلطان المسلمين أبدا فبدر الناس إليه فقال: دعوه فنعم الرجل من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم وسار فانتهى إلى الربذة وجاء خبر سبقهم إلى البصرة فأقام يأتمر بما يفعل ولحقه ابنه الحسن وعذله في خروجه وما كان من عصيانه أياه فقال: ما الذي عصياك فيه حين أمرتني؟ قال: أمرتك أن تخرج عند حصار عثمان من المدينة ولا تحضر لقتله ثم عند قتله ألا تبايع حتى تأتيك وفود العرب وبيعة الأمصار ثم عند خروج هؤلاء أن تجلس في بيتك حتى يصطلحوا فقال: أما الخروج من المدينة فلم يكن إليه سبيل وقد كان أحيط بنا كما أحيط بعثمان وأما البيعة فخفنا ضياع الأمر والحل والعقد لأهل المدينة لا للعرب ولا للأمصار ولقد مات رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أحق بالأمر بعده فبايع الناس غيري واتبعتهم في أبي بكر وعمر وعثمان فقتلوه وبايعوني طائعين غير مكرهين فأنا أقاتل من خالف بمن أطاع إلى أن يحكم الله وهو خير الحاكمين وأما القعود عن طلحة والزبير فإذا لم أنظر فيما يلزمني من هذا الأمر فمن ينظر فيه؟
ثم أرسل إلى كوفة محمد بن أبي بكر ومحمد بن جعفر يستنفران الناس وأقام بالربذة يحرض الناس وأرسل إلى المدينة في أداته وسلاحه وقال له بعض أصحابه عرفنا بقصدك من القوم؟ قال: الإصلاح إن قبلوه وإلا ننظرهم وإن بادرونا امتنعنا.
ثم جاءه جماعة من طيء نافرين معه فقبلهم وأثنى عليهم ثم سار من الربذة وعلى مقدمته أبو ليلى بن عمرو بن الجراح ولما انتهى إلى فيد أتته أسد وطيء وعرضوا عليه النفير معه فقال: الزموا قراركم ففي المهاجرين كفاية ولقيه هنالك رجل من أهل الكوفة من بني شيبان فسأله عن أبي موسى فقال إن أردت الصلح فهو صاحبه وإن أردت القتال فليس بصاحبه فقال: والله ما أريد إلا الصلح حتى يرد علينا ثم انتهى إلى الثعلبية والأساد فبلغه ما لقي عثمان بن حنيف وحكيم بن جبلة ثم جاءه بذي قار عثمان بن حنيف وأراه ما بوجهه فقال: أصبت أجرا وخيرا إن الناس وليهم قبلي رجلان فعملا بالكتاب ثم ثالث فقالوا وفعلوا ثم بايعوني ومنهم طلحة والزبير ثم نكثا وألبا علي ومن العجب انقيادهما لأبي بكر وعمر وعثمان وخلافهما علي! والله إنهما ليعلمان أني لست دونهم ثم أخذ في الدعاء عليهما وابن وائل هنالك يعرضون عليه النفير فأجابهم مثل طيء وأسد وبلغه خروج عبد القيس على طلحة والزبير فأثنى عليهم وأما محمد بن أبي بكر ومحمد بن جعفر فبلغا إلى الكوفة ودفعا إلى أبي موسى كتاب علي وقاما في الناس بأمره فلم يجبهما أحد وشاوروا أبا موسى في الخروج إلى علي فقال: الخروج سبيل الدنيا والقعود سبيل الآخرة فقعدوا كلهم وغضب محمد ومحمد وأغلظا لأبي موسى فقال لهما: والله إن بيعة عثمان لفي عنقي وعنق علي وإن كان لا بد من القتال فحتى نفرغ من قتلة عثمان حيث كانوا فرجعا إلى علي بالخبر وهو بذي قار فرجع علي باللائمة على الأشتر وقال: أنت صاحبنا في أبي موسى فاذهب أنت وابن العباس وأصلح ما أفسدت فقدما على أبي موسى وكلما استعانا عليه بالناس لم يجب إلى شيء ولم ير إلا القعود حتى تنجلي الفتنة ويلتئم الناس فرجع ابن عباس والأشتر إلى علي فأرس علي ابنه الحسن وعمار بن ياسر وقال: لعمار: انطلق فأصلح ما أفسدت فانطلقا حتى دخلا المسجد وخرج أبو موسى فلقي الحسن بن علي فضمه إليه وقال لعمار: يا أبا اليقظان أعدوت على أمير المؤمنين فيمن عدا وأحللت نفسك مع الفجار؟ فقال: لم أفعل فأقبل الحسن على أبي موسى فقال: لم تثبط الناس عنا وما أردنا إلا الإصلاح ومثل أمير المؤمنين لا يخاف على شيء قال: صدقت بأبي أنت وأمي سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول «ستكون فتنة القاعد فيها خير من القائم والقائم خير من الماشي والماشي خير من الراكب والمسلمون إخوان ودماؤهم وأموالهم حرام» فغضب عمار وسبه فسبه آخر وتثاور الناس ثم كفهم أبو موسى وجاء زيد بن صوحان بكتاب عائشة إليه وكتابها إلى أهل الكوفة فقرأهما على الناس في سبيل الإنكار عليها فسبه شبث بن ربعي وتهاوى الناس وأبو موسى يكفهم ويأمرهم بلزوم البيوت حتى تنجلي الفتنة ويقول: أطيعوني وخلوا قريشا إذا أبوا إلا الخروج من دار الهجرة وفراق أهل العلم حتى ينجلي الأمر وناداه زيد بن صوحان بإجابة علي والقيام بنصرته وتابعه القعقاع بن عمر فقام بعده فقال: لا سبيل إلى الفوضى وهذا أمير المؤمنين ملئ بما ولي وقد دعاكم فانفروا وقال عبد خير مثل ذلك وزاد: يا أبا موسى هل تعلم أن طلحة والزبير بايعا؟ قال: نعم قال: فهل أحدث علي ما ينقص البيعة؟ لا أدري قال: لا دريت ونحن نتركك حتى تدري ثم قال سيحان بن صوحان مثل ما قال القعقاع وحرض على طاعة علي وقال: فإنه دعاكم تنظرون ما بينه وبين صاحبيه وهو المأمون على الأمة الفقيه في الدين فقال عمار وهو دعاكم إلى ذلك لتنظروا في الحق وتقاتلوا معه عليه وقال الحسن: أجيبوا دعوتنا وأعينونا على ما ابتلينا به وابتليتم وإن أمير المؤمنين يقول: إن كنت مظلوما أطيعوني أو ظالما فخذوا مني بالحق والله إن طلحة والزبير أول من بايعني وأول من غدر فأجاب الناس وحرض عدي بن حاتم قومه وحجر بن عدي كذلك فنفر مع الحسن من الكوفة تسعة آلاف سارت منها ستة في البر وباقيهم في الماء.
وأرسل علي بعد مسير الحسن وعمار الأشتر إلى الكوفة فدخلها والناس في المسجد وأبو موسى والحسن وعملوا في منازعة معه ومع الناس فعجل الأشتر يمر بالقبائل ويدعوهم إلى القصر حتى انتهى إليه في جماعة الناس فدخله وأبو موسى بالمسجد يخطبهم ويثبطهم والحسن يقول له اعتزل عملنا واترك منبرنا فدخل الأشتر إلى القصر وأمر بإخراج غلمان أبي موسى من القصر وجاءه أبو موسى فصاح به الأشتر: أخرج لا أم لك وأجله تلك العشية ودخل الناس لينهبوا متاعه فمنعهم الأشتر ونفر الناس مع الحسن كما قلنا وكان الأمراء على أهل النفير على كنانة وأسد وتميم والرباب ومزينة معقل بن يسار الرياحي وعلى قبائل قيس سعد بن مسعود الثقفي عم المختار وعلى بكر وتغلب وعلة بن مجدوح الذهلي وعلى مذحج والأشعريين حجر بن عدي وعلى بجيلة وأنمار وخثعم والأزد محنف بن سليم الأزدي ورؤساء الجماعة من الكوفيين القعقاع بن عمرو وسعد بن مالك وهند بن عمرو والهيثم بن شاهب ورؤساء النفار زيد بن صوحان والأشتر وعدي بن حاتم والمسيب بن نجبة ويزيد بن قيس وأمثالهم فقدموا على علي بذي قار فركب إليهم ورحب بهم وقال: يا أهل الكوفة دعوتكم لتشهدوا معنا إخواننا من أهل البصرة فإن يرجعوا فهو الذي نريد وإن يلحوا داويناهم بالرفق حتى يبدؤنا بالظلم ولا ندع أمرا فيه الصلاح إلا آثرناه على ما فيه الفساد إن شاء الله فاجتمع الناس عنده بذي قار وعبد القيس بأسرها وهم ألوف ينتظرونه ما بينه وبين البصرة ثم دعا القعقاع وكان من الصحابة فأرسله إلى أهل البصرة وقال: إلق هذين الرجلين فادعهما للألفة والجماعة وعظم عليهما الفرقة وقال له: كيف تصنع إذا قالوا ما لا وصاة مني فيه عندك؟ قال: نلقاهم بالذي أمرت به فإذا جاء منهم مالي عندنا منك رأي فيه اجتهدنا رأينا وكلمناهم كما نسمع ونرى إنه ينبغي قال: أنت لها.
فخرج القعقاع فقدم البصرة وبدأ بعائشة وقال: أي أمة ما أشخصك؟ قالت: أريد الإصلاح بين الناس قال ابعثني إلى طلحة والزبير تسمعي مني ومنهما فبعثت إليهما فجاآ فقال لهما: إني سألت أم المؤمنين ما أقدمها فقالت الإصلاح وكذلك قالا قال فأخبراني ما هو؟ قالا: قتلة عثمان! فإن تركهم ترك للقرآن قال: فقد قتلتم منهم ستمائة من أهل البصرة وغضب لهم ستة آلاف واعتزلوكم وطلبتم حرقوص بن زهير فمنعه ستة آلاف فإن قاتلتم هؤلاء كلهم اجتمعت مضر وربيعة على حربكم فأين الاصلاح؟ قالت عائشة: فماذا تقول أنت؟ قال هذا الأمر دواؤه التسكين وإذا سكن اختلجوا فآثروا العافية تزرقوها وكونوا مفاتيح خير ولا تعرضونا للبلاء فنتعرض له ويصرعنا وإياكم فقالوا قد أصبت وأحسنت فارجع فإن قدم علي وهو على مثل رأيك صلح هذا الأمر فرجع وأخبر عليا فأعجبه وأشرف القوم على الصلح وقد كانت وفود أهل البصرة أقبلوا إلى علي قبل رجوع القعقاع وتفاوضوا مع أهل الكوفة واتفقوا جميعا على الاصلاح ثم خطب علي الناس وأمرهم بالرحيل من الغد وأن لا يرحل معه أحد ممن أعان على عثمان فاجتمع من أهل مصر ابن السوداء وخالد بن ملجم والأشتر والذين رضوا بمن سار إليه مثل علباء بن الهيثم وعدي بن حاتم وسالم بن ثعلبة القيسي وشريح بن أوفى وتشاوروا فيما قال علي وقالوا: هو أبصر بكتاب الله وأقرب إلى العمل به من أولئك وهو يقول ما يقول وإنما معه الذين أعانوا على عثمان فكيف إذا اصطلحوا واجتمعوا ورأوا قلتنا في كثرتهم فقال الأشتر رأيهم والله فينا واحد وأن يصطلحوا فعلى دمائنا فهلموا نثب على طلحة نلحقه بعثمان ثم يرضى منا بالسكون فقال ابن السوداء: طلحة وأصحابه نحو من خمسة آلاف وأنتم ألفان وخمسمائة فلا تجدون إلى ذلك سبيلا وقال علباء بن الهيثم: اعتزلوا الفريقين حتى يأتيكم من تقومون به فقال ابن السوداء: ود والله الناس لو انفردتم فيتخطفونكم فقال عدي: والله ما رضيت ولا كرهت فأما إذ وقع ما وقع ونزل الناس بهذه المنزل فإن لنا خيلا وسلاحا فإن أقدمتم أقدمنا وإن أحجمتم أحجمنا ثم قال سالم بن ثعلبة وسويد بن أوفى: أبرموا أمركم ثم تكلم ابن السوداء فقال: يا قوم إن عزكم في خلطة الناس فصانعوهم وإذا التقى الناس غدا فانشبوا القتال فلا يجدون بدا منه ويشغلهم الله عما تكرهون وافترقوا على ذلك.
وأصبح علي راحلا حتى نزل على عبد القيس فانضموا إليه وساروا معه فنزل الزواية وسار من الزواية إلى البصرة وسار طلحة والزبير وعائشة من الفرضة والتقوا بموضع قصر عبيد الله بن زياد منتصف جمادى الآخرة وتراسلت بكر بن وائل وعبد القيس وجاؤا إلى علي رضي الله عنه فكانوا معه وأشار على الزبير بعض أصحابه أن يناجز القتال فاعتذر بما وقع بينه وبين القعقاع وطلب من علي رضي الله عنه أصحابه مثل ذلك فأبى وسئل ما حالنا وحالهم في القتلى؟ فقال: أرجو أن لا يقتل منا ومنهم أحد نقي قلبه لله إلا أدخله الله الجنة ونهى عن قتالهم وبعث إليهم حكيم بن سلام ومالك بن حبيب إن كنتم على ما جاء به القعقاع فكفوا حتى ننزل وننظر في الأمر وجاءه الأحنف بن قيس وكان معتزلا عن القوم وقد كان بايع عليا بالمدينة بعد قتل عثمان مرجعه من الحج قال الأحنف: ولم أبايعه حتى لقيت طلحة والزبير وعائشة بالمدينة وعثمان محصور وعلمت أنه مقتول فقلت لهم من أبايع بعده؟ قالوا عليا فلما رجعت وقد قتل عثمان بايعت عليا فلما جاؤا إلى البصرة دعوني إلى قتال علي فحرت في أمري بين خذلانهم أو خلع طاعتي فقلت: ألم تأمروني بمبايعته؟ قالوا نعم لكنه بدل وغير فقلت لا أنقض بيعتي ولا أقاتل أم المؤمنين ولكن أعتزل ونزل بالجلحاء على فرسخين من البصرة في زهاء ستة آلاف فلما قدم علي جاءه وخيره بين القتال معه أو كف عشرة آلاف سيف عنه فاختار الكف ونادى في تميم وبني سعد فأجابوه فاعتزل بهم حتى ظفر علي فرجع إليه واتبعه ولما تراءى الجمعان خرج طلحة والزبير وجاءهم علي حتى اختلفت أعناق دوابهم فقال علي: لقد أعددتما سلاحا وخيلا ورجالا إن كنتما أعددتما عند الله عذرا ألم أكن أخاكما في دينكما تحرمان دمي ولا أحرم دمكما فهل من حدث أحل لكما دمي قال طلحة: ألبت على عثمان! قال علي: يومئذ يوفيهم الله دينهم الحق فلعن الله قتلة عثمان يا طلحة أما بايعتني؟ قال: والسيف على عنقي ثم قال للزبير: أتذكر يوم قال لك رسول الله صلى الله عليه وسلم لتقاتلنه وأنت له ظالم؟ قال اللهم نعم ولو ذكرت قبل مسيري ما سرت والله لا أقاتلك أبدا وافترقوا فقال علي لأصحابه: إن الزبير قد عهد أن لا يقاتلكم ورجع الزبير إلى عائشة وقال: ما كنت في موطن منذ عقلت إلا وأنا أعرف أمري غير موطني هذا! قالت: فما تريد أن تصنع؟ قال أدعهم وأذهب فقال له ابنه عبد الله: خشيت رايات ابن أبي طالب وعلمت أن حامليها فتية أنجاد وأن تحتها الموت الأحمر فجنبت فأحفظه ذلك وقال: حلفت قال: كفر عن يمينك فأعتق غلامه مكحولا وقيل إنما أراد الرجوع عن القتال حين سمع أن عمار بن ياسر مع علي لما ورد: «ويح عمار تقتله الفئة الباغية».
وكان أهل البصرة على ثلاث فرق مفترقين مع هؤلاء وهؤلاء وثالثة اعتزلت كالأحنف ابن قيس وعمران بن حصين ونزلت عائشة في الأزد ورأسهم صبرة بن شيمان وأشار عليه كعب بن سور بالاعتزال فأبى وكان معها قبائل كثيرة من مضر والرباب وعليهم المنجاب بن راشد وبنو عمرو بن تميم وعليهم أبو الجربا وبنو حنظلة وعليهم هلال بن وكيع وسليم وعليهم مجاشع بن مسعود وبنو عامر وغطفان وعليهم زفر بن الحرث والأزد وعليهم صبرة بن شيمان وبكر وعليهم مالك بن مسمع وبنو ناجية وعليهم الخريب بن راشد وهم في نحو ثلاثين ألفا وعلي في عشرين ألفا والناس جميعا متنازلون مضر إلى مضر وربيعة إلى ربيعة ولا يشكون في الصلح وقد ردوا حكيما ومالكا إلى علي: إنا على ما فارقنا عليه القعقاع وجاء ابن عباس إلى طلحة والزبير ومحمد بن طلحة إلى علي وتقارب أمر الصلح وبات الذين أثاروا أمر عثمان بشر ليلة يتشاورون واتفقوا على إنشاب الحرب بين الناس فغسلوا وما يشعر بهم أحد وقصد مضر إلى مضر وربيعة إلى ربيعة ويمن إلى يمن فوضعوا فيهم السلاح وثار أهل البصرة وثار كل قوم في وجوه أصحابهم وبعث طلحة والزبير عبد الرحمن بن الحرث بن هشام إلى الميمنة وهم ربيعة وعبد الرحمن بن عتاب إلى الميسرة وركبا في القلب وسألا الناس ما هذا؟ فقالوا: طرقنا أهل الكوفة ليلا فقال طلحة والزبير إن عليا لا ينتهي حتى يسفك الدماء ثم دفعوا أولئك المقاتلين فسمع علي وأهل عسكره الصيحة فقال ما هذا؟ فقيل له أظنه سقط من هنا طرقنا أو نحوه السبئية بيوتنا ليلا فرددتهم فوجدنا القوم على أهبة فركبونا وثار الناس وركب علي وبعث إلى الميمنة والميسرة صاحبها وقال: إن طلحة والزبير لا ينتهيان حتى تسفك الدماء ونادى في الناس كفوا وكان رأيهم جميعا في تلك الفتنة أن لا يقتتلوا حتى يقيموا الحجة ولا يقتلوا مدبرا ولا يجهزوا على جريح ولا يستحلوا سلبا.
وأقبل كعب بن سور إلى عائشة وقال: قد أبى القوم إلا القتال فلعل الله يصلح بك فأركبها وألبسوا هودجها الأدراع وأوقفوها بحيث تسمع الغوغاء واقتتل الناس حتى انهزم أصحاب الجمل وذهب وأصيب طلحة بسهم في رجله فدخل البصرة ودمه يسيل إلى أن مات وذهب الزبير إلى وادي السباع لما ذكره علي فمر بعسكر الأحنف واتبعه عمرو بن الجرموز وكان يسائله حتى إذا قام إلى الصلاة قتله ورجع بفرسه وسلاحه وخاتمه إلى الأحنف فقال والله ما أدري أحسنت أم أسأت فجاء ابن جرموز إلى علي وقال للحاجب: استأذن لقاتل الزبير فقال لحاجبه: ائذن له وبشره بالنار ولما بلغت الهزيمة البصرة ورأوا الخيل أطافت بالجمل فرجعوا وشبت الحرب كما كانت وقالت عائشة لكعب بن سور وناولته مصحفا: تقدم فادعهم إليه واستقبل القوم فقتله السبيئة رشقا بالسهم ورموا عائشة في هودجها حتى جأرت بالاستغاثة ثم بالدعاء على قتله عثمان وضج الناس بالدعاء فقال علي ما هذا قالوا عائشة تدعو على قتلة عثمان! فقال: اللهم العن قتلة عثمان.
ثم أرسلت عائشة إلى الميمنة والميسة وحرضتهم وتقدم مضر الكوفة ومضر البصرة فاجتلدوا أمام الجمل حتى ضرسوا وقتل زيد بن صوحان من أهل الكوفة وأخوه سيحان وارتث أخوهما صعصعة وتزاحف الناس وتأخرت يمن الكوفة وربيعتها ثم عادوا فقتل على راياتهم عشرة ثم أخذها يزيد بن قيس فثبت وقتل تحت راية ربيعة زيد وعبد الله بن رقية وأبو عبيدة بن راشد بن سلمة واشتد الأمر ولزقت ميمنة الكوفة بقلبهم وميسرة أهل البصرة بقلبهم ومنعت ميمنة هؤلاء ميسرة هؤلاء وميسرة هؤلاء ميمنة هؤلاء وتنادى شجعان مضر من الجانبين بالصبر وقصدوا الأطراف يقطعونها وأصيبت يد عبد الرحمن بن عتاب قبل قتله وقاتل عند الجمل الأزد ثم بنو ضبة وبنو عبد مناة وكثر القتل والقطع وصارت المجنبات إلى القلب واستحر القتل إلى الجمل حتى قتل على الخطام أربعون رجلا أو سبعون كلهم من قريش فجرح عبد الله بن الزبير وقتل عبد الرحمن بن عتاب وجندب بن زهير العامري وعبد الله بن حكيم بن حزام ومعه راية قريش قتله الأشتر وأعانه فيه عدي بن حاتم وقتل الأسود بن أبي البختري وهو آخذ بالخطام وبعده عمرو بن الأشرف الأزدي في ثلاثة عشر من أهل بيته وجرح مروان بن الحكم وعبد الله بن الزبير سبعا وثلاثين جراحة ما بين طعنة ورمية ونادى علي اعقروا الجمل يتفرقوا وضربه رجل فسقط فما كان صوت أشد عجيجا منه وكانت راية الأزدمن أهل الكوفة مع مخنف بن سليم فقتل فأخذها الصقعب أخوه فقتل ثم أخوهما عبد الله كذلك فأخذها العلاء بن عروة فكان الفتح وهي بيده وكانت راية عبد القيس من أهل الكوفة مع القاسم بن سليم فقتل ومعه زيد وسيحان ابنا صوحان وأخذها عدة فقتلوا منهم عبد الله بن رقية ثم منقذ الله النعمان ودفعها إلى ابنه مرة فكان الفتح وهي بيده وكانت راية بكر بن وائل في بني ذهل مع الحرث بن حسان فقتل في خمسة من بني أهله ورجال من بني محدوج وخمسة وثلاثين من بني ذهل.